حكم اجهاض جنين الزنا

السؤال:
امرأة زنت فحملت، فهل يجوز لها شرعاً أن تسقط جنينها خوفا من الفضيحة، ولما قد تتعرض له من أذى إن علم أهلها.
الجواب:
جنين الزنا هو الحمل البشري الذي جاء ثمرة لعلاقة جنسية محرمة.
وجنين الزنا يقع على حالتين:
الحالة الأولى: أن ينفخ فيه الروح، ونفخ الروح على الراجح يكون بعد مائة وعشرين يوما من الحمل.
ولا خلاف بين العلماء في حرمة الاعتداء على الجنين بإسقاطه وإجهاضه في هذه الفترة؛ لأنه اعتداء على نفس دون نفس يوجب الغرة وهو خمس من الإبل ويأثم فاعله، قال تعالى: ﴿ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ ﴾ الممتحنة: 12، وقال تعالى: ﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ الأنعام:41، وإن كان الولد يطلق لغة على ما ولد، أي لا يكون ولدا إلا بعد الولادة، لكن الجنين الذي نفخ فيه الروح يأخذ بعض أحكامه لأنه قريب الولادة، حيث يغلب عادة إن استكمل عمره أربعة أشهر من بداية حمله أن يستمر ويولد فيصبح ولدا.
وهذا الجنين لا يجوز شرعاً أن يؤخذ بجريرة والديه لقوله تعالى: (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) فاطر: 18، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُقِم الحد على الغامدية وهي حامل من الزنا حتى ولدت حفاظا على حياة جنينها، ففي صحيح مسلم (جاءت الغامدية، فقالت: يا رسول الله، إني قد زنيت فطهرني، وإنه ردها، فلما كان الغد، قالت: يا رسول الله، لم تردني؟ لعلك أن تردني كما رددت ماعزا، فوالله إني لحبلى، قال: إمَّا لا فاذهبي حتى تلدي، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي الله قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها)، وقال النووي معلقا عليه: (لا ترجم الحبلى حتى تضع، سواء أكان حملها من زنا أو غيره، وهذا مجمع عليه لئلا يقتل جنينها، وكذا لو كان حدّها الجلد وهي حامل، لم تجلد بالإجماع حتى تضع).
لكن ماذا لو لحق العار بهذه الفتاة التي حملت من الزنا؟ ألا يكون إجهاض هذا الجنين مخرجا من هذا العار وهذه المفاسد المترتبة على هذا الحمل غير الشرعي؟
يجاب بأن أي مفسدة تهون عن مفسدة قتل النفس (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة: 32]، فحفظ النفوس مقدم على حفظ الأموال والأعراض.
كما أن المحافظة على شرف المرأة وشرف أهلها وسمعتهم لا يكون بقتل الجنين البريء والاعتداء على حياته، وإنما يكون بتقوى الله والابتعاد عمّا نهى عنه، وتجنب فاحشة الزنا ومقدماته، ولو قال العلماء بجواز إسقاط جنين الزنا وإجهاضه من قبل أمه لتجرأ كثير من السفهاء على الزنا، ودمرنا المجتمع الإسلامي، وهذه كلها محظورات في الشرع الإسلامي.
والقول بجواز إسقاط الزانية حملها المتكون من الزنا، يتناقض تناقضاً صريحاً مع ما تقضيه قاعدة سد الذرائع، وذلك أن الحمل من أهم العقوبات المانعة للمرأة من أن يكشف عنها كل ستر، وينبه الناس إلى جنايتها، ويترك لها أثراً باقياً طيلة حياتها، فلئن لم تردعها عن الفاحشة مخافة الله تعالى، صدتها عنها عاقبة هذه الفضيحة بين الناس.
كما أن المعاصي لا تكون أسباباً للرخص، فالعاصي بسفره لا يفطر، والإسقاط في صورته هذه معصية، فلا يناسب الرخصة؛ لأن ترتيب الترخيص على المعصية سعي في تكثير تلك المعصية بالتوسعة على المكلف بسببها.
الحالة الثانية: أن يكون إسقاطه قبل نفخ الروح فيه.
وفي هذه الحالة ننظر إلى المصالح والمفاسد المترتبة على بقاء أو إسقاط هذا الجنين ونوازن بينها، فإن كان اسقاطه يدفع هذه الفتاة إلى تكرار الزنا فيكون وسيلة في سترها لتغرق في وحل الرذيلة، وتسبح في سبخة المنكر، وتغب من قذارة الفاحشة، فلا شك في حرمة هذا الإجهاض.
وإن كانت مفسدة بقائه أعظم بكثير من إسقاطه كأن تابت هذه الزانية وكان بقاؤه يؤدي قطعا إلى الاعتداء على حياة هذه الزانية – مثلا – فعندها نقدم مقصد الحفاظ على النفس على مقصد أدنى منه درجة وهو الحفاظ على النسب؛ لأن الاعتداء على هذا الجنين هو اعتداء على قطعة لحم لم تتحقق فيها معنى الإنسانية التي تكون بنفخ الروح، فالروح هي الفيصل في معنى الإنسانية للجنين.
وأنبه أن كل حالة تحتاج فتوى مستقلة يفهم فيها المفتي الظروف المحيطة والمتعلقة بجريمة الزنا وآثارها على الزانيين ليقدر الحكم ويوازن بين مصالح بقائه وإجهاضه، والله تعالى أعلم.
مصدر الفتوى من كتاب:
فتاوى معاصرة (2)، ايمن عبد الحميد البدارين، دار النور المبين للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 2017م، صفحة (138-140 )
اكتشاف المزيد من موقع الدكتور ايمن البدارين الرسمي - aymanbadarin.com
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.